انتزعت المسرحية التونسية “يحيى يعيش” التي شرع المخرج المسرحي فاضل الجعايبي في عرضها في العاصمة تونس، اعجاب الحضور والنقاد على حد سواء لنجاحها في الوقوف عند ظاهرة الاقصاء والتهميش بجرأة قلما اتسمت بها الاعمال الفنية في البلاد .
وأوضح الجعايبي الذي يعتبر شخصية مركزية في المسرح العربي المعاصر لوكالة “فرانس برس” ان عمله الجديد “ليس بريئا كما هو الشأن بالنسبة للاعمال الابداعية الجادة” .
واضاف “هو عملية فحص دقيقة للجهاز السياسي في اعلى مستواه للوقوف عند علاقة رجل السياسة بالسلطة والمادة والآخر” مشددا على ان “تعرية الحقيقة امر ضروري لان الهوة اصبحت شاسعة بين المسؤول السياسي وما يجري في الخفاء والمواطن” .
ومضي يقول “اسئلة كثيرة اشتغلنا عليها، لا سيما الاسباب التي تقف وراء تغير السياسي حين يمسك بزمام السلطة وتنازله عن طروحاته وابعاد قرار استبعاده خارج اللعبة بعد قضاء فترة الصلاحية” .
وتروي المسرحية طيلة ساعتين قصة مسؤول رفيع المستوى يدعى يحيى يعيش يقال من منصبه فجأة ويمنع من مغادرة البلاد قبل ان يوضع في الاقامة الجبرية .
وفي الاثناء يندلع حريق هائل في مكتبه فيصاب المسؤول السابق بحروق بليغة ينقل على اثرها الى المستشفى حيث يخضع لتحقيق في ملابسات الحريق الذي لا احد يعرف ما اذا كان حادثا مدبرا ام محاولة انتحار للتخلص من وثائق مهمة تختفي بوفاته .
وفي هذه الاجواء، تنطلق معاناة يحيى يعيش المطالب بتبرير التجاوزات التي اقدم عليها على المستوى الامني والاقتصادي والاجتماعي وعلى صعيد انتهاك الحريات الفردية التي طالت فئات من المجتمع .
غير ان هذا السياسي الذي يعتبر نفسه “ضحية الجلادين” يتمسك بخياراته ويؤكد على ان ما اتاه طيلة توليه هذا المنصب كان في خدمة المصلحة العامة رغم حالات التوتر والحيرة والضعف والخوف من الموت التي بدت عليه .
وفي المسرحية تبرز شخصيات اخرى من بينها مسؤول سابق بدا في حالة لا يرثى لها وهو يوجه اصابع الاتهام ليحيى بالاستيلاء على منصبه وصحافية فاشلة يوجه الجعايبي من خلالها سهام نقده للاداء الاعلامي الذي ابتعد عن دوره الحيوي وعاملات النظافة في المستشفى اللاتي يطالبن بتحسين اوضاعهن لكن لااحد يسمع صوتهن .
وتخللت المسرحية التي انطلقت بخروج الممثلين وعددهم 11 من بين الجمهور بنظرات خائفة وحذرة، مشاهد صامتة ترك فيها المخرج للحركة حرية التعبير . فكانت اجساد الممثلين محامل لعدة تلميحات راوحت بين اللامبالاة والتخاذل والمحاباة والفوضوية ومشاعر الاحباط .
كما اعتمد الجعايبي على التقشف في الديكور الذي اقتصر على عدد من الكراسي في اشارة الى “الرغبة في الانفراد بالسلطة” .
وتهافت على قاعة المونديال في العاصمة عشرات الاشخاص من مختلف الاعمار بينهم شخصيات من المدافعين عن حقوق الانسان لحضور العرض الاول للمسرحية مساء أمس الأول، ويستمر عرض المسرحية حتى يونيو/ حزيران المقبل .