وصف برتولد بريخت الممثلة هيلينا فايكل بأنها: "امرأة ذات قامة صغيرة ، سليمة البنية ، متناسقة الأعضاء ، رأسها كبير منتظم الشكل ، وجهها رفيع ناعم ، وهي ذات جبين ناهض بعض الشيء ، وشفتين قويتين. صوتها غني مدلهم ، لطيف حتى في عنفوانه ، أو في صرخة من الصرخات. حركاتها محددة رقيقة. وهي جهمة ، شجاعة ، وأهل للاعتماد. كما أنها قليلة الحظ من الشعبية".
ولدت هيلينا في عام م1900 في مدينة فينا ، ودرست في مدارسها الابتدائية والثانوية إلى أن تخرجت عام م1918 ، فالتحقت في العام نفسه في معهد للتمثيل برغم معارضة والديها الشديدة ذلك. وقد تتلمذت على يد الأستاذ آرثو هولتس ، ثم انتقلت إلى فرانكفورت للعمل في المسرح الحديث الذي كان يديره المخرج آرثر هيملر ، والذي مثلت معه دور ماريا في مسرحية فويسك لمؤلفها جورج بوشنر ، والتي أخرجها هيملر بنفسه.
وفي عام م1922 انتقلت هيلينا إلى برلين ، حيث عملت في مسارحها حتى استقرت في المسرح الألماني عام م1925 ، وقد كانت هيلينا فايكل متحمسة لأفكار بريخت ، بل هي صدى هذه الأفكار وامتداد لها ، بل كانت تحرص عليها إلى حد التفاني من أجلها: فقد تعرفت إلى بريخت منذ عام م1924 ، حيث عملت في المسرح الألماني ببرلين ، ومثلت دور ليوكوديا بيكبيك في مسرحية الرجل رجل لبريخت عام م1927 ، وهو أول دور لها في مسرحية من مسرحيات بريخت ، ثم تزوجت منه عام م1929 ، فخاض الإثنان حياة نضال مريرة في ألمانيا انتهت بهما بالهجرة إلى براغ عام م1933 ، وتنقلا بين الدول الأوروبية والاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية ، وكانت هيلينا ـ في رحلاتها ـ تعطي دروساً في التمثيل. وفي عام م1948 عادا إلى برلين ، وفي شهر أيلول من عام م1949 تمكنا من افتتاح مسرح برلينر إنسامبل بإدارة هيلينا ، بينما شغل بريخت وظيفة المدير الفني للمسرح.
إن فايكل ـ في تقديمها للشخصيات المسرحية ـ لا ترينا العظمة الخاصة لتلك الشخصيات ، وإنما ترينا دائماً عظمة الشخصيات التي تمثلها. ويشير يريخت إلى أنه "عندما مثلت دور الخادمة ، في مسرحية إغريقية ، (الخادمة التي أعلنت وفاة سيدتها) كانت تصرخ: ميتة ، ميتة من مشارف خشبة المسرح ، بصوت واخز ، ومعدوم العاطفة تماماً ، ماتت جوكاستا. لم يكن في الصوت شئ من النحيب قط ، ومع ذلك فقد كان من التحديد والتأثير الذي لا يقاوم ، بحيث أن مجرد وفاة جوكاستا ـ في واقعه ـ أحدثَ وقعاً ، في تلك اللحظة ، لم يستطع أي حزن أن يحدثه. لم تترك صوتها ليكون ضحية للهلع ، لكنها تركت وجهها ، لقد أرت الحضور تأثير الموت في سحنتها البيضاء ، التي تضافر الماكياج على تقديمها."
وفي ظل الحكم النازي لألمانيا ، اندفعت هيلينا إلى إعلان مواقفها الرافضة للحرب والاضطهاد التي ألقتْ بتأثيرها على الإنسان الألماني ، وهذا ما جعلها تلفت أنظار الجمهور إليها بعد أن تطرقت إلى طرح الموضوعات العظيمة التي تلامس دواخل الإنسان الألماني في ذلك الوقت. وكان ـ من نتيجة ذلك ـ أن تعرضت للاعتقال والتحقيق مرات عديدة ، ما اضطرها إلى مغادرة ألمانيا بحثاً عن مكان آخر يمكن من خلاله التعبير عما يجول في داخلها.
حرصت هيلينا على بريخت ومدرسته المسرحية إلى درجة التزمت والكفاح المرير ضد من يحاول الخروج عليها. وجاء موقف عدد من الشباب العاملين في مسرحها موقفَ الراغب في تطوير بعض ما جاء به بريخت ، بينما كانت هيلينا تعدّ ذلك انحرافاً منهم ، وهم يرون في موقفها جموداً ، ويرون في سياستها تقوقعاً سيؤدي ، بالتالي ، إلى تحويل تراث بريخت ومسرحياته إلى متحف مسرحي لا أقل ولا أكثر.
وإذا كانت هيلينا مثلت في مسرحيات كثيرة لكتاب مسرحيين آخرين غير بريخت ، فإنها ، بقيت في كل أعمالها ، تؤمن إيماناً عميقاً بروح بريخت الفنية ، وبالأسس المتينة التي ثبتها في مسرحه منطلقاً واضحاً لكل عمل يقدمه مسرح البرلينر إنسامبل. وقد مثلت هيلينا في عدد كبير من مسرحيات بريخت ، فمن أدوارها: دور بيلاجيه فلاسوفا في مسرحية الأم المقتبسة عن قصة للأديب الروسي مكسيم غوركي ، وقد أخرج المسرحية إيميل يوري عام 1932م. كذلك قدمت دور تيريزا جرار في مسرحية بنادق الأم جرار التي أخرجها سلاتان دودوف ، وقدمت إلى مجموعة من المهاجرين الألمان في باريس عام 1937م. كذلك قدمت دور أنتيجونا في مسرحية أنتيجونا من إخراج بريخت وكاسبار نيهير عام م1949 في سويسرا. كذلك قدمت مسرحية الأم الشجاعة وأطفالها إخراج (بريخت) و(إيريش إينجل) عام م1949 ، وأدتْ شخصية بيلاجيه فلاسوفا في مسرحية دائرة الطباشير القوقازية من إخراج بريخت نفسه ، بافضافة إلى كثير من الأدوار.
